خلال الأشهر الأخيرة، تمكن تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» الإرهابي «داعش» من السيطرة على مناطق مهمة في العراق، مستغلاً في ذلك الانقسام المذهبي وانعدام الثقة السياسية التي أضعفت الجيش العراقي. ويعمل هذا التنظيم دون هوادة على تمزيق العراق من أجل إقامة الخلافة المزعومة. إلا أن الطوائف العراقية بدأت الآن توحيد صفوفها للتصدي له. ونظراً لأن أكثر من 13 مليون عراقي أدلوا بأصواتهم في انتخابات أبريل الماضي على الرغم من تهديدات «داعش» بقتل كل من يشارك فيها، فإن العراقيين اختاروا برلمانهم الجديد ورئيسهم، ونجحوا في تسمية حيدر العبادي رئيساً مكلفاً بتشكيل حكومة جديدة. وتنطوي هذه الخطوات على مغزى مهم لأنها أظهرت أن العراقيين بدأوا بالفعل بفهم الحقيقة التي تفيد بأن عليهم أن يرتفعوا فوق خلافاتهم. وبأنهم عندما يفعلون ذلك، سيكون في وسعهم تحقيق النجاح، ليس فقط في مجال إعادة توحيد وطنهم، بل وأيضاً في إلحاق الهزيمة بـ«داعش». ولا بد هنا من تأكيد أن التفاوض مع «داعش» مرفوض. ولقد وقفنا على جرائمها الشنيعة وتطرفها عندما أقدمت على إعدام الصحفي الأميركي «جيمس فولي» بالإضافة لعدد كبير من الناس الأبرياء. ولكن، حتى لو لم يكن هناك «داعش»، فإن بقاء العراق دولة موحدة سيعتمد أيضاً على قدرة العراقيين على نبذ خلافاتهم والاتحاد تحت شعار يجمعهم معاً. وسيبقى الأمن الوطني العراقي رهيناً بتركيز الاهتمام على إزالة أسباب الخلافات التي تفرق بين العراقيين وتشجع الحركات المتطرفة، وبأن يقتنعوا بأن مطالبهم يمكن تلبيتها عن طريق العمل السياسي لا عن طريق العنف. وخلال الأسابيع القليلة الماضية، أجرى أوباما اتصالاً بالعبادي فيما تحادثت أنا شخصياً مع كل واحد من القادة العراقيين الجدد والسابقين. ولقد دفعتنا نتائج هذه المحادثات إلى الاعتقاد بأنهم اقتنعوا جميعاً بأن السنوات الماضية من الفشل والضياع السياسي يجب أن تنتهي. وكما كتب «العبادي» في اليوم التالي: «صحيح أن التحديات التي تواجهنا هائلة، ولكننا سنتغلب عليها بالاتحاد والتآلف فيما بيننا. وربما تنتظرنا العواصف العاتية إلا أننا سنواجهها معاً باعتبارنا أمة واحدة». وبالنسبة للعراق، يتطلب النجاح توافقاً حقيقياً بين كل الأطراف، وتشكيل حكومة جديدة في بغداد قادرة على الاستجابة لاحتياجات المجتمع العراقي بكل مشاربه وطوائفه. ولا يمكننا أن نتمنى ذلك للعراقيين بأكثر مما يتمنونه لأنفسهم. وما لم يتمكنوا من تحقيق هذا الشرط بأنفسهم، لا يمكن لأي تدخل خارجي مهما بلغ حجمه أن يحققه لهم، كما لا يمكن لهذا التدخل أن يستمر إلى ما لا نهاية. وهذا ما يجعل تشكيل الحكومة الجديدة على مثل هذه الدرجة من الأهمية. ولقد تعهد رئيس الوزراء المكلف حيدر العبادي بأن يضم إلى حكومته لفيفاً من الوزراء الجدد المزوّدين بخارطة طريق لوضع الأجندات التي ستتكلف الحكومة بتنفيذها. ونحن بدورنا عمدنا إلى تشجيع أولئك القادة على استكمال هذه العملية بأسرع ما يمكن. ويعمرنا الأمل في أن تشتمل خارطة الطريق التي أقرها البرلمان العراقي على وضع مخطط لتوزيع مصادر الثروات في الدولة، على كافة أطياف المجتمع من دون استثناء وأن تتكفل بمواصلة الحرب ضد «داعش». وبادرنا بدورنا إلى تشجيع الدول المجاورة للعراق على التوقف عن مساعدة وشحن الأطراف الطائفية ودفعها للتقاتل بعضها مع بعض، وهو العمل الذي لا يصب إلا في مصلحة «داعش»، وأن تشارك بدلاً من ذلك في المساعدة على إزالة العقبات والتحديات أمام العراقيين واستغلال هذه الفرصة السانحة لبدء فصل جديد في علاقاتها مع العراق ومع بعضها البعض. ويجب أن تتركز الجهود الأمنية والسياسية العراقية على تسخير الطاقات وتعاون كافة أطياف المجتمع. ولقد كانت هذه الروح التعاونية حاضرة هذا الأسبوع في القطاع الشمالي من العراق، عندما تآزرت القوات الحكومية والكردية وعملت جنباً إلى جنب من أجل استعادة سدّ الموصل من «داعش». وبغض النظر عن الدعم الأميركي الجوي، فإن هذه العملية لم تكن لتنجح أبداً من دون التعاون بين «البيشمرجة» الكردية وقوات الأمن العراقية. ولقد كان هذا النجاح ثمرة لأول تعاون من هذا النوع، ونحن على يقين بأنه سيتحول إلى نموذج يمكن البناء عليه. والهدف الآخر الذي بدأت بوادره بالظهور، يتعلق بإعادة «تفعيل النموذج الفيدرالي» في ظل الدستور العراقي الذي سيضمن التوزيع العادل للعوائد والثروات على كافة الأقاليم من دون استثناء، وتأسيس منظومة أمنية جديدة ذات طابع محلي صرف كالحرس الوطني، من أجل حماية سكان المدن والقرى وحرمان «داعش» من الحركة على الأرض والحفاظ على وحدة وتكامل المناطق العراقية كافة. وستكون الولايات المتحدة جاهزة لتقديم خدمات التدريب وبقية أنواع المساعدات، تحت مظلة «اتفاقية الإطار الاستراتيجية» المشتركة بيننا من أجل المساعدة على إنجاح هذا النموذج. وأولاً وأخيراً، سيحتفظ العراقيون لأنفسهم بمهمة تحديد مستقبلهم وفي ظل دستورهم، إلا أن ما يدفعنا إلى التفاؤل بالنجاح هو عملية الحوار والتداول الجادة حول المستقبل التي أطلقوها بالفعل. وعندما يواصل العراقيون تحقيق التقدم، فسيزيد ذلك من عزمنا على تقديم مساعدتنا لهم لدحر «داعش»، وسندعو المجتمع الدولي أيضاً للانضمام إلى الجهود التي تبذلها كندا وأستراليا وحلفاؤنا الأوروبيون لتقديم مساعدة مماثلة. و«داعش» ليس قوة يصعب دحرها. وذلك لأن «التعاليم» التي يطرحها هذا التنظيم مرفوضة من معظم العراقيين. كما أن هذا التنظيم لا يحافظ على وجوده من خلال تأييد وقبول الناس، بل عن طريق دبّ الرعب والفزع في نفوسهم. ولقد عمد هذا التنظيم إلى هدم وتدمير مزارات دينية قديمة واضطهد النساء والفتيات وأعدم بوحشية لا نظير لها العديد من أهل السُنة الذين يدّعي أنه جاء ليتحدث باسمهم. ونحن من جهتنا، سنواصل استشاراتنا في الكونجرس لنيل الدعم لاستراتيجيتنا الأمنية في العراق والمنطقة وخاصة من أجل دحر «داعش». -------- ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»